مهاجر مصري في مالطا.. “لا نكترث لما سيحصل معك. إما أن تنهي الإضراب عن الطعام أو تموت!”


207
مهاجر مصري في مالطا.. “لا نكترث لما سيحصل معك. إما أن تنهي الإضراب عن الطعام أو تموت!”

مهاجرون مصريون وصلوا مالطا قبل نحو عام، يصفون لمهاجرنيوز ظروف احتجازهم المستمر ورفضهم لأن تتم إعادتهم إلى بلادهم. المهاجرون تحدثوا عن طعام سيء ومياه شرب ملوثة وغياب شبه تام لأي معلومات من قبل السلطات تتعلق بمصيرهم.

يصف محمود*، المهاجر المصري الواصل إلى مالطا من ليبيا، ظروف احتجاز صعبة للغية في مركز “هال فار”. الشاب تحدث هاتفيا مع مهاجر نيوز حول الاحتجاز ورحلة الهجرة وأسباب مغادرته لبلاده، التي يقول إنه لو تمت إعادته إليها، فالقتل مصيره:

منذ وصولنا مالطا قبل نحو عام ونحن في الاحتجاز. بداية فرضوا علينا الحجر الصحي كجزء من الاحتياطات من فيروس كورونا. قالوا لنا إن المدة لن تتجاوز 14 يوما، لكننا بقينا في الحجر الصحي 70 يوما. بعدها نقلنا إلى مركز “هال فار” حيث ما زلنا محتجزين.

بالإجمال، ما يحتاجه المحتجز هو بعض المعلومات عن أسباب احتجازه والمدة المتوقعة والظروف العامة، هذا قد يساعد على فهم المحيط وتوقع ما سيحصل لاحقا، لكن بالنسبة لنا ما من معلومات بتاتا. كل ما نحن متيقنين منه هو أننا قيد الاحتجاز، بعدما أجرينا المقابلة الأولى، وجميعنا رفضت طلباتنا. إذا ما سألنا عن سبب الاستمرار باحتجازنا يطرحون علينا خيار الإعادة لمصر، فقط، دون أي خيار آخر.

18 شهرا قيد الاحتجاز

دون الإطالة، أحد أعضاء إدارة المركز قال لنا قبل أشهر إننا سنبقى قيد الاحتجاز 18 شهرا، ريثما يتم النظر بشكل نهائي في طلباتنا. هل هذا منطقي أو معقول؟ ما الذي سنحصله بعد احتجاز يقارب السنتين وبعدها ترفض طلباتنا؟ كيف سنعوض السنوات التي ضاعت منا بهذا الشكل؟ من سيعوض عائلاتنا التي تنتظر منا خبرا منذ أشهر ولا نستطيع التواصل معهم؟ كل هذه الأسئلة وأكثر تنهش رؤوس المهاجرين هنا، دون إجابات نتحول إلى نوع من السجن الذاتي، المعنوي، وتسود الأفكار السوداء مخيلاتنا طوال الوقت.

بالنسبة لي، وصلت مالطا قادما من ليبيا. انطلقت على متن قارب من مصراتة على متنه أكثر من 100 مهاجر. بعد يوم من الإبحار تعطل محرك القارب، لحسن حظنا رصدتنا سفينة تجارية. أنقذنا طاقم السفينة وأخبرونا أنهم سيعيدونا إلى ليبيا. بعد طول جدال وافقوا على الانتظار ريثما تحضر سفينة لخفر السواحل المالطي لتجلينا عن ظهر السفينة، وهذا ما حصل. لكن قبل كل ذلك، لم نكن نريد أصلا الذهاب إلى مالطا. نعرف أنها جزيرة صغيرة وما من مجالات كثيرة للمهاجرين هناك، لكن يبدو أن الأقدار كانت مرسومة مسبقا وأوقعتنا في شرك الاحتجاز الطويل والمضني والقاتل.

العودة لمصر تعني “الإعدام”

في ليبيا كنت أعمل في مجال تركيب السيراميك والرخام، كان عملي جيدا وكنت أجني المال. لكن مع جائحة كورونا وتدهور الأوضاع الأمنية، باتت الحياة هناك صعبة، بت أخشى أن أتعرض للخطف أو القتل. عدة مرات اقتحم أشخاص مسلحون الشقة التي كنت أسكن فيها مع أصدقائي، وفي كل مرة كانوا يأخذون كل ما نملك، أموال وهواتف ودخان، أي شيء. لاحقا قررت أن البقاء هناك بات مستحيلا، فاخترت الهجرة.

قد تسألني لماذا لم أعد لمصر، كوني غبت عنها وعن عائلتي تسع سنوات متواصلة؟ الجواب هو بالخطر على حياتي. عودتي إلى مصر تعني قتلي نتيجة خلافات عائلية ثأرية قديمة لا ناقة لي فيها ولا جمل. هذا ما قلته للمحقق المالطي أثناء المقابلة الأولية، حيث كان دائما يسألني لم لا أعود لبلادي، المصنفة آمنة من قبل مالطا، وكنت دوما أجيب بذلك، لكن دون فائدة.

ارتفاع نسبة الهجرة من مصر

فضلا عن المشاكل العائلية، حال مصر ليس خافيا على أحد، الأزمة الاقتصادية والآن الغذائية، فضلا عن الكثير من المشاكل التي قد تواجه أيا كان هناك دون سابق إنذار. الكثير يهاجر من مصر حاليا، نعم، ليس كرها أو خوفا، ولكن سعيا للمستقبل الأفضل. هل تعلم أعداد الهاربين من التجنيد الإجباري على سبيل المثال؟ هؤلاء كثر جدا، وهربوا لأنهم معيلو عائلاتهم، وذهابهم للجيش يعني حرمان آلاف العائلات من مصادر الدخل، القليلة أصلا. هناك أيضا الهاربين من البطالة.

أعداد كثيرة في ليبيا وتونس تنتظر فرصتها للمغادرة إلى أوروبا، وهناك أيضا كثر في مصر ممن يتحينون فرصة للمغادرة بدورهم.

لكن ما لنا ولمصر، بالعودة لوضعنا الحالي، قام أحد المصريين في المركز هنا قبل بضعة أشهر بإعلان إضرابه المفتوح عن الطعام، إلى أن تتم الإجابة على أسئلته وأولها لمَ هو محتجز. بعض بضعة أيام من بدئه الإضراب، جاء حرس من المركز ونقلوه إلى سجن انفرادي. أحد أعضاء الإدارة قال له حرفيا “لا نكترث لما سيحصل معك. ستبقى هنا إلى أن تتوقف عن الإضراب أو تموت!”.

بعد 18 يوما من عدم المبالاة والعزل، أوقف المهاجر إضرابه عن الطعام وعاد إلى زنزانة أصدقائه.

مهاجر نيوز تحدث أيضا مع المهاجر الذي أضرب عن الطعام، وقال “لم أخش الموت، بالعكس، أفضّله على هذه الحياة، لكني في الزنزانة الإفرادية كنت وحيدا، خفت وخانتني قدرتي على الصمود. اعتقدت أنني حتى لو استمريت ومت جوعا، لن يعرف أحد بما حصل معي، وسيذهب ذلك الجهد هباء”.

يعود محمود ليأخذ الهاتف ويقول “أريد أن أعرف ما هو الذنب الذي ارتكبته أنا والآخرين لنسجن بهذا الشكل؟ الطعام هنا لا يؤكل والمياه غير صالحة للشرب. معظم المحتجزين يعانون من أمراض ووعكات صحية مستمرة، لماذا؟ هل لأننا اخترنا الهجرة؟ لا نريد أن يعيدونا لمصر، إذا كانوا لا يريدوننا فليسمحوا لنا بإكمال طريقنا، أو فليعيدونا إلى ليبيا أو فليقتلونا، لا حلول أخرى متاحة”.

*اسم مستعار


تعليق واحد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *