طريق “وهمي” يقطعه سوريون من لبنان إلى قبرص


136
طريق “وهمي” يقطعه سوريون من لبنان إلى قبرص

لم تغب “رحلات الموت”، أو ما تعرف بالهجرات البحرية غير الشرعية، عن المشهد السوري يومًا، إذ تم ضخ القضية في الإعلام بصورة مكثفة في الفترة بين عامي 2015 و2017، لكنها عادت للبروز مؤخرًا بحلة ومكان جديدين، عبر أروقة بحرية لبنانية كان أبطالها سوريين يبحثون عن الاستقرار.

حادثتان اثنتان في المياه اللبنانية أعادتا إلى الأذهان طريقًا سلكه السوريون من تركيا إلى اليونان، أودى بحياة الكثيرين غرقًا، فيما أوصل آخرين إلى الهدف المنشود، وسط مخاوف من تكرار سيناريو “تركيا- اليونان” ولكن في “لبنان- قبرص”.

أولى ضحايا الطريق الجديد

بدأت بوادر ظاهرة لجوء السوريين من لبنان نحو قبرص، في 22 من أيلول الماضي، حين أعلن الصليب الأحمر اللبناني عن وفاة طفل سوري في حادثة غرق قارب كان يقل لاجئين سوريين حاولوا الخروج من لبنان بحرًا بطريقة “غير نظامية”.

القارب، الذي انطلق من ميناء العبدة في عكار متجهًا نحو قبرص، كان يقل 37 شخصًا بينهم لبنانيان اثنان والبقية من اللاجئين السوريين المقيمين بالأساس في لبنان، حيث تمكن الصليب الأحمر من إنقاذ جميع الأشخاص الذين كانوا على متن القارب باستثناء الطفل الذي لقي حتفه.

أما الحادثة الثانية، التي أنذرت بالخطر المقبل، فكانت فقدان قارب قبالة السواحل اللبنانية، وعلى متنه 32 سوريًا ولبناني واحد، إذ أعلنت القوة البحرية التابعة لقوى الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، في 12 من تشرين الأول الحالي، عن عثورها على القارب بعد أربعة أيام على فقدانه.

وأصدرت “يونيفيل” بيانًا قالت فيه إن القارب فُقد بعد أن نفد الوقود منه، حيث بقي الركاب من دون طعام وماء منذ قرابة أربعة أيام، وعلى متنه 19 رجلًا وست نساء وسبعة أطفال، مشيرة إلى أن وضعهم الصحي بحالة جيدة.

وكان القارب انطلق من شواطئ مدينة طرابلس متوجهًا بطريقة “غير شرعية” إلى جزيرة قبرص، لكن عملية التهريب فشلت وتم تسليم المهاجرين للأمن العام اللبناني.

أوهام يرويها مهربون

الناشط السوري في لبنان عبد الرحمن عكاري، قال لعنب بلدي إن طريق الهجرة البحرية من لبنان إلى قبرص جديد على مجتمع اللجوء السوري، مشيرًا إلى أن أيًا من عمليات التهريب إلى قبرص لم تنجح، إذ لم يتمكن أي سوري في لبنان من الوصول إلى قبرص عبر هذا الطريق، حتى اليوم.

ومع غياب المعطيات التي تشجع السوريين على سلوك هذا الطريق البحري، قال عكاري إنهم يتمسكون فقط بأوهام يبيعها التجار والمهربون، بقولهم إن المرشد المرافق للقارب سيوصلهم إلى جزيرة قبرص خلال ساعات، ومنها سينطلقون إلى اليونان ثم سيعاد توطينهم في إحدى الدول الأوروبية، مشيرًا إلى أن هذه الرواية “وهمية”.

وأضاف أن المهربين هم من الجنسية اللبنانية ومعروفون لدى الأمن العام اللبناني، مشيرًا إلى أن تكلفة السفر بحرًا لا تزال غامضة حتى الآن ويقدر بأنها تتجاوز 1500 دولار أمريكي للشخص الواحد.

وأرجع الناشط السوري أسباب توجه السوريين في لبنان نحو الهجرة إلى قبرص إلى ضغوط كبيرة تعرضوا لها مؤخرًا، تتلخص في منعهم من الانخراط في سوق العمل لعدم امتلاكهم أوراقًا قانونية، بالإضافة إلى تقليص المساعدات الغذائية الشهرية التي تقدمها لهم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

فيما يبقى الهاجس الأكبر أمامهم، بحسب عكاري، هو مخاوف من ترحيلهم إلى سوريا، في ظل تصاعد الخطاب الرسمي اللبناني الذي يطالب بترحيل اللاجئين السوريين، وعددهم مليون، إلى المناطق الآمنة في سوريا.

وبالرغم من أن هجرة السوريين من لبنان إلى قبرص عبر البحر تعتبر جديدة، شهد هذا البلد طرقًا أخرى “غير نظامية” سلكها السوريون، ومن بينها الهجرة بالبواخر النظامية من الشواطئ اللبنانية ولكن عبر أوراق وجوازات سفر “مزورة”، كما لجأ آخرون إلى الهجرة عبر مطار بيروت الدولي بأوراق مزورة أيضًا.

وتراجعت وتيرة طرق الهجرة تلك خلال العامين الماضيين، وفق ما قال الناشط السوري عبد الرحمن عكاري لعنب بلدي، مضيفًا أن الهجرة بالقوارب أو “البلم” لم تحدث في لبنان سابقًا، باستثناء الحادثتين السابقتين.

بحر يوثق غرقاه

تقدر منظمة الهجرة الدولية أن ما يقارب 463 مهاجرًا وطالب لجوء غرقوا في البحر المتوسط في أثناء محاولة الوصول لأوروبا، وذلك منذ مطلع 2018 وحتى منتصف آذار الماضي.

ووصفت المنظمة البحر المتوسط بأنه “أكبر مقبرة في العالم”، وقالت إن ما يزيد على ثلاثة آلاف مهاجر وطالب لجوء غرقوا فيه عام 2017، في حين بلغ عددهم 4150 عام 2016.

وأصبح البحر المتوسط وجهة الكثير من السوريين الراغبين في اللجوء إلى أوروبا، وذلك بعد تشديد دول الاتحاد الأوروبي الإجراءات على حدودها البرية، وعقدها اتفاقيات من شأنها الحد من تدفق اللاجئين.


تعليق واحد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *