تربطهم بالحياة.. إجبار المهاجرين على تسليم هواتفهم داخل مراكز اللجوء يجعلهم في خطر؟


209
تربطهم بالحياة.. إجبار المهاجرين على تسليم هواتفهم داخل مراكز اللجوء يجعلهم في خطر؟

عندما تنطلق رحلة المهاجرين غير القانونيين، تُصبح الهواتف الذكية أهم ما يملكون، أحيانا كثيرة تتجاوز أهميتها الأكل. إن سحب الهواتف منهم أو السماح لهم فقط باستخدام من طرف سلطات مختلف البلدان على الحدود فعل غير قانوني.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تحدث شاب أفغاني لمنصة ” The New Arab” الإخبارية عن كيفية وصوله إلى المملكة المتحدة بعد رحلة خطيرة استمرت 12 ساعة على متن قارب، وقال “كانت النساء والأطفال يبكون، وكان قلبي يبكي معهم”.

لكن حسب تعبيره، كانت من أكثر الأمور إيلامًا بعد وصوله هو مصادرة هاتفه، فذلك جعله غير قادر على إخبار عائلته بأنه وصل بأمان، خاصة أنه بعد أقل من أسبوعين، أعلن عن وفاة 27 شخصًا خلال رحلة على الطريق نفسها.

آلاف الأشخاص الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة بالقارب في عام 2020 يروون قصصا مماثلة، فسياسة وزارة الداخلية، تقوم على أساس مصادرة هواتف المهاجرين دون منحهم الفرصة حتى لتدوين أرقام الاتصال بعائلاتهم، ولا الاتصال بهم ليخبروهم أنهم وصلوا بأمان.

“إن مصادرة هاتف مهاجر وصل توا، يعني في الحقيقة فقدانه خط الوصل بالحياة”، تقول نعومي بلاكويل من خدمة اللاجئين الكنسية. وأضافت “جهات الاتصال الخاصة بهؤلاء الأشخاص، صور أحبائهم وأسرهم، نسخ الشهادات الطبية، والوثائق التي كانوا يحتفظون بها على أجهزة الهواتف النقالة، كل هذا يفقدونه، وهو أمر جد صعب بالنسبة لهم”، هذا ما كتبته بلاكويل في تدوينة على الإنترنت حول الموضوع عام 2022.

حرمان من أهم سلاح خلال رحلة الهجرة! 

تحدث المئات من المهاجرين في دول أخرى في أوروبا عن تجارب مماثلة. وفقًا لتقرير نُشر مؤخرًا من قبل PICUM، المنظمة غير الحكومية في بروكسل، فإن “مصادرة الهواتف الذكية بواسطة السلطات إجراء شائع يمارس ضد المهاجرين الذين ينقلون إلى الاحتجاز، إما لأنهم دخلوا البلاد مؤخرًا بدون تأشيرة أو لأنه تم إصدار أمر لهم بمغادرة البلاد. هذا يعني أن هؤلاء الأشخاص يحرمون من هواتفهم على الرغم من أنهم لم يرتكبوا جريمة وغير مسجونين”.

في أوروبا لا يوجد قانون محدد وموحد يؤطر استخدام الهواتف المحمولة عند احتجاز المهاجرين، والقيود تختلف من دولة إلى أخرى، ففي هولندا مثلا هناك حظر تام على هذه الممارسة، بينما يختلف الأمر تماما في فنلندا.

ممارسات أقل حدة سجلت في المملكة المتحدة، حيث تتم مصادرة الهواتف الذكية الشخصية بشكل منهجي عند الاحتجاز، بعدها يُسمح للمهاجرين الذين يتم وضعهم لاحقًا في الحجز باستخدام هاتف بدون إنترنت أو كاميرا، بينما يكون للمحتجزين في السجون إمكانية الوصول المحدود إلى الهواتف الأرضية.

صورة تعبيرية لمهاجرين يصلون إلى فنلندا.
صورة تعبيرية لمهاجرين يصلون إلى فنلندا.

اختلافات قانونية تؤثر على الممارسات!

الوضعية تختلف مرة أخرى في النمسا وبلجيكا وبلغاريا وفرنسا وبولندا، في هذه البلدان، يمكن للأشخاص بعد احتجازهم الاحتفاظ بهواتفهم المحمولة الخاصة بهم واستخدامها، ولكن فقط إذا لم تكن متوفرة على كاميرا، أي أن معظم المهاجرين يفقدون هواتفهم بما أنها تكون هواتف ذكية. في بعض الدول الأخرى كالبرتغال وفي إسبانيا، يسمح للمهاجرين استخدام هواتفهم حين احتجازهم.

في بلجيكا، يتعين على المهاجرين الذين تعرضوا للاحتجاز، دفع ثمن إجراء المكالمات الهاتفية، وطبعا لا يستطيع الكثير منهم تحمل نفقات الاتصالات المادية.

“سيلفيا كارتا، مسؤولة في منظمة PICUM الحقوقية، قالت إن “المهاجرين يتلقون دعما ضعيفاً، أحيانا لا يتجاوز 5 يورو في الأسبوع، وهو مبلغ لا يمكن أن يكفيهم للاتصال بدولة في الشرق الأوسط أو إفريقيا، سوى لبضع دقائق قبل أن ينفد الرصيد”.

وأضافت كارتا أن “الهاتف الشخصي هو شيء مهم وأساسي يمتلكه المهاجر ويحتوي على معلومات شخصية مهمة، ويكون مهما للغاية لربطهم التواصل مع عائلاتهم، والحد من وصولهم إليه يكون أمرا صعبا عليهم جدا”.

واعتبرت المتحدثة أن هذه الممارسة غير قانونية، وتثير منذ مدة حفيظة منظمات حقوق الإنسان في ألمانيا. مذكرة بأنه هنا، يُسمح قانونيًا للسلطات بالحصول على الهواتف النقالة الخاصة بالمهاجرين، بل أيضا تحليل المعلومات التي تتوفر داخلها، لكن لا يُمنع أبدا طالبو اللجوء من الحصول عليها في أي وقت احتاجوها.

مهاجرون يعبرون الحدود بين النمسا وألمانيا عند بدء أزمة اللجوء
مهاجرون يعبرون الحدود بين النمسا وألمانيا عند بدء أزمة اللجوء

قانون جديد صادقت عليه السلطات، صار يسمح للسلطات الألمانية بمصادرة هواتف المهاجرين واستخراج بياناتهم للتمكن من تحديد هويتهم. لكن بالنسبة للحقوقيين، فالكثير من البيانات المخزنة على الهواتف الذكية للمهاجرين تكون خاصة للغاية. لكن حسب سارة لينكولن، محامية في جمعية GFF الحقوقية، فإن التفتيش في الهواتف المحمولة يعد تعديًا خطيرًا على خصوصية المهاجرين”، حسب تصريح خصت به مهاجر نيوز.

هل هواتف المهاجرين طريق لشبكات التهريب فعلا؟

مصادرة هواتف المهاجرين، خاصة حين عبور حدود دولة أوروبية، غالبًا ما يتم تبريره بأن الشرطة تبحث عن أدلة تقودها لشبكات التهريب أو الاتجار. يتذكر الشاب الأفغاني البالغ من العمر 26 عامًا الذي حاورته منصة ” The New Arab”، والذي تمكن من عبور القناة الإنجليزية في أواخر عام 2021، أنه طلب استعادة هاتفه مؤقتًا للاتصال بوالديه بعد احتجازه، لكن تم رفض طلبه. ووفقًا لما نشرته الصحيفة، فقد أوضحت وزارة الداخلية البريطانية، أن مصادرة الهواتف جزء من سيرورة التحقيقات التي تسعى للوصول لعصابات التهريب.

المحامية لينكون، اعتبرت أن مصادرة هاتف مهاجر تكون له نتائج كارثية، إذ غالبًا ما لا يتم إعادته له إلا بعد مرور وقت طويل، أو لا تتم إعادته على الإطلاق. وذكرت المحامية أنه في معظم الحالات لا يكون لدى المهاجر المال لشراء هاتف آخر جديد”. وأضافت المتحدثة، أن ممارسة مصادرة الهواتف عند الحدود تصير غير قانونية، خاصة إذا لم يكن هناك أي إثبات على علاقة المهاجر بعصابات الاتجار بالبشر.

الكثير من الممارسات التي تقوم بها سلطات بعض البلدان خاصة حين سحب هواتف المهاجرين، تنتهك حقوقهم ولا تتماشى مع القوانين الداخلية. ومن أمثلة ذلك، ما قررته محكمة إيطالية في قضية طالب لجوء تونسي شاب. إذ أكدت أن منع وصوله إلى هاتفه المحمول شكل تقييدًا لحقه وحريته في التواصل. وفي تفاصيل تلك القضية، بعد وصول الشاب إلى لامبيدوسا عام 2020، تم تقييمه بشكل خاطئ على أنه شخص بالغ، واحتُجز وجُرد من هاتفه، فصار غير قادر على الاتصال بعائلته أو محاميه، لتأمر المحكمة بإعادة هاتفه.

استعمل المهاجرون الهواتف الذكية الشخصية لتوثيق ظروف حياتهم في مراكز الاحتجاز وكذلك لتسجيل معاملة السلطات لهم أثناء التنقل، وتستمر هذه الممارسات طيلة السنوات الأخيرة. تقول كارتا “إذا كان الناس يُحتجزون في ظروف لائقة، لم يكن ليُحظر استخدام الكاميرات والهواتف، خوفا من فضح ما يحدث من تجاوزات في هذه المراكز.”

العديد من المنظمات غير الحكومية، ترفع الصوت تنديدا بظروف احتجاز المهاجرين في مختلف الدول الأوروبية، وترفض مختلف السلوكيات التي تحرمهم من حقوقهم الأساسية ومنها التواصل مع أهاليهم. وتعلن هذه المنظمات دائما عن خطوط ساخنة بحيث يمكن للمحتجزين الاتصال بالخارج من المراكز مجاناً.

ماريون ماكغريغور/ م.ب


تعليق واحد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *