يواجه المهاجرون وطالبو اللجوء ظروفا صعبة جدا على جزيرة مالطا، ليست مرتبطة فقط بالظروف المعيشية، بل تتخطاها لتشمل أوضاعهم القانونية وسهولة وصولهم للمعلومات التي تخولهم معرفة ما هي الخطوات التالية التي ينبغي عليهم اتخاذها لمتابعة ملفات لجوئهم.
قبالة مركز المرسى لاحتجاز المهاجرين جنوب فاليتا، صادفنا كوفي، فتى يبلغ من العمر 19 عاما قادم من ساحل العاج.
كان كوفي جالسا على حافة القناة المائية الموصلة للمرفأ المحاذي للمركز، ينظر إلى جدران ذلك المكان دون أن يفعل شيئا آخر.
“أنا تم إنقاذي من قبل سفينة آيلان كردي مع نحو 40 مهاجرا أفريقيا آخر”، يقول كوفي لمهاجر نيوز. “لقد مضى على وجودي هنا شهران ونصف… عدة دول أوروبية وافقت على استقبالنا، لكنني ما زلت عالقا هنا. لا أعرف ما الذي يجري وما هو القرار المتعلق بملفي”.
كرر كوفي مرارا أنه لا يعلم شيئا عن وضعه، “لم يتم إخبارنا بشيء. من بين 40 ناجيا من القارب الذي كنت على متنه، تم اختيار 15 شخصا للذهاب إلى فرنسا و11 إلى ألمانيا و2 إلى لوكسمبورغ. لم نعرف كيف تم اختيار الأسماء وما هي المعايير التي اعتمدوها… توجهت إليهم لحظة وصولي إلى هذا المركز وقلت لهم إن هدفي هو الذهاب لفرنسا لأنني أتحدث الفرنسية ولدي أقارب هناك، لكن لم يعلن عن اسمي من بين الذاهبين لفرنسا. لا أعرف إلى أين سيلقون بي، ربما إلى ألمانيا…”.
كثير من الشهادات وصلتنا حول حال المهاجرين داخل مركز المرسى تحديدا، كمصادرة الهواتف الخلوية الخاصة بهم، فضلا عن أي أموال قد يكونوا يحملونها. “يومياتنا هنا جحيم. عندما وصلنا أخذوا هواتفنا، قالوا لنا إنهم سيعيدونها إلينا عندما نخرج من هناك”، يقول كوفي. “الطعام هو نفسه يوميا، معكرونة… لدينا الحق في الخروج من المركز مرة واحدة في اليوم لمدة ساعتين، إذا تخطينا تلك المدة سننام بالخارج. هذا ما حدث معي بالأمس، حيث أني تأخرت قليلا عن موعد عودتي، الحارس على الباب رفض إدخالي ولم يكترث لتبريراتي، تجاهلني تماما، فنمت أمام باب المركز الرئيسي”.
تلك كانت شهادة لمهاجر شاب لم يمض على وجوده في مركز الاحتجاز في المرسى وقت طويل. إلا أن تلك الشهادة تعطي نوعا من النظرة العامة حيال حقيقة الأوضاع داخل مراكز الاستقبال والاحتجاز في مالطا.
بنية تحتية شبه معدومة
يتركز المهاجرون في مالطا في ثلاثة مراكز رئيسية، مركز المرسى وهو حيث يتم إنزال المهاجرون أولا ليتم أخذ بياناتهم وتحديد ما إذا كان سيتم نقلهم إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي. ويبقى المهاجرون في ذلك المركز لفترات قد تصل إلى ثلاثة أشهر، يكونون خلالها شبه محرومين من حرياتهم الشخصية وممارسة أي نوع من الأنشطة بشكل عام. ووفقا للقانون، ينبغي أن لا يتم احتجاز المهاجرين في ذلك المركز لأكثر من 14 يوما.
دومينيك كالاوايت، أحد مدراء منظمة “كوبين” غير الحكومية، قال لمهاجر نيوز إن “الوضع سيء جدا، خاصة مع ارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين حاليا… المشكلة الرئيسية في مالطا هي حقيقة أن نظام استقبال المهاجرين مثقل بشكل كبير. البنى التحتية الخاصة بهذا الموضوع تكاد شبه معدومة”.
وأكد الناشط الشاب أن الحكومة المالطية لم تقم بواجباتها في مرحلة ما “في الفترة التي لم نعد نستقبل فيها أي قوارب إنقاذ، كان الأجدى بالحكومة إجراء تحسينات ملموسة في مراكز الاستقبال، الأمر الذي لم يحصل. وأنا لا أنكر هنا بعض التحسينات التي طرأت على نظام اللجوء إجمالا، كإلغاء نظام الاحتجاز وتقليص مدة الاحتجاز الإداري للمهاجرين لمدة قد تصل إلى 14 يوما كحد أقصى، ولكن يبدو أن هذا غير كاف”.
الإرادة السياسية
وأشار دومينيك إلى أن مركز المرسى تم افتتاحه أصلا ليكون مركز استقبال للمهاجرين، تديره إحدى المنظمات غير الحكومية، ولكن “للأسف مع ارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين، تحول إلى مركز احتجاز، حتى أن المدة القانونية للاحتجاز فيه باتت تتخطى في كثير من الأحيان ثلاثة أشهر”.
وشدد الناشط على مسؤولية الحكومية، أو بمعنى آخر الإرادة السياسية، في اتخاذ قرارات تؤدي إلى حلحلة في الوضع القائم، “ليس هناك موارد كافية مخصصة للوكالة الفيدرالية التي تتعامل مع أزمة المهاجرين، وهذه مشكلة كبيرة، فهذا الواقع أدى إلى إغراق الوكالة تماما تحت ضغوط تلك الأزمة، ما أدى بالكثير من موظفيها لترك العمل لأنهم لم يعودوا يستطيعون تحمل الضغط”. وأوضح دومينيك أن الوكالة تعمل ضمن أطر ميزانيات ضيقة للغاية، فضلا عن أنها “لا تحظى بأي دعم من الوكالات الحكومية الأخرى المعنية بأزمة الهجرة أيضا، كالوكالات الاجتماعية والصحية.
مشكلة أوروبية
أما ويليام غريك، وهو أحد مدراء المنظمة المالطية نفسها، فقال لمهاجر نيوز إن الأزمة بشكل عام أوروبية بامتياز. “يجب مراجعة نظام التضامن الداخلي بين الدول الأعضاء في الاتحاد. إن المخاوف التي تثيرها القوى السياسية في البلدان صاحبة الآراء المتشددة تجاه أزمة الهجرة هي نابعة من إحساسها بأنها وحيدة بمواجهة الأزمة. على دول الاتحاد إعادة صياغة تفاهماتها بناء على منطق التضامن الأوروبي”. وأوضح غريك أن الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه في مالطا حول توزيع المهاجرين على الدول الأوروبية لا يزال غامضا، “إذ أنه ليس هناك من آليات محددة مرافقة له. بالنسبة لنا لا تزال هناك علامات استفهام كبيرة محيطة به”.
للمزيد: “مختبر السلام”… فسحة أمل في صحراء المهاجرين في مالطا
ولا ينفي غريك مسؤولية مالطا المباشرة عما آلت إليه الأوضاع بشكل عام، “مالطا لديها الموارد، اقتصادها مزدهر، وهي تملك كل ما تحتاجه لتغطية الاحتياجات الأساسية لمراكز الاستقبال، حتى لتوفير المزيد من الأخصائيين الاجتماعيين والوسطاء الثقافيين ودعم برامج الاندماج والتعليم… لكن الأموال والموارد لا يتم توجيهها لهذه الغاية… أعتقد أن السلطات توجه رسالة مفادها أن طالبي اللجوء غير مرحب بهم. هذا خيار وقرار سياسي يساهم بتنمية العنصرية وتغذية مشاعر كراهية الأجانب في البلاد…”.
وشدد الناشطان على أن إحدى المشاكل الرئيسية التي يواجهها المهاجرون سواء في مراكز الاحتجاز أو في المراكز المفتوحة (الاستقبال) هي عدم تمكنهم من الحصول على المعلومات التي يحتاجونها. وذكرا مجموعة من الحوادث التي حصلت مؤخرا مرتبطة بأشخاص يقيمون في مراكز استقبال، تعرضوا للطرد من تلك المراكز بعد مرور 12 شهرا على إقامتهم فيها دون أن يعرفوا السبب. ما من أحد من إدارة تلك المراكز أوضح لهم الأسباب الحقيقية، والتي تتمثل بتوقيعهم على أوراق باللغة الإنكليزية تذكر أن عليهم إخلاء المركز بعد مدة محددة، ولكن بطبيعة الحال فإن معظم المهاجرين لا يقرأون الإنكليزية وبالتالي لا يعرفون على ماذا يوقعون.
تعليق واحد