في مالطا، طالب لجوء سوري غادر بلاده مطلع 2021 بحثا عن الحياة الأفضل. من سوريا إلى ليبيا فمالطا، روى حسان* لمهاجر نيوز ما تعرض له على طريق الهجرة، خاصة ما يمر به في مالطا الآن من حالة عدم يقين وتجاهل من قبل السلطات. طالب اللجوء أوضح أن إجراءات اللجوء في مالطا تتسبب للمهاجرين بحالات يأس صعبة، خاصة وأنهم لا يعلمون ما الذي سيحل بهم لاحقا.
“خرجت من سوريا مطلع 2021 آملا بالحصول على حياة أفضل وفرصة لأحقق لأطفالي مستقبلا زاهرا. لكن بعد كل ما مررت به، بت الآن رهينة الإحباط واليأس”.
“من سوريا إلى ليبيا وما بينهما، تحملت الكثير. في ليبيا سجنت وحرمت من الطعام، وكنت عرضة للتهديد اليومي، إلى أن تمكنت من المغادرة. مطلع شهر تموز/يوليو، وأثناء هيامنا في البحر على متن الزورق، رصدتنا سفينة تجارية. أنقذونا وأعطونا الطعام والماء. قال لنا القبطان حينها إنه سيعيدنا إلى ليبيا. جميعنا رفضنا واعتصمنا على سطح السفينة، قلنا له نفضل الموت غرقا على العودة”.
“بعد طول نقاش قال لنا إنه سيسلمنا لمالطا، وهذا ما حصل”.
“عند نزولنا عن السفينة، تم حجرنا لمدة 20 يوما في منشأة مخصصة لاستقبال الوافدين. كان الحجر إلزاميا نتيجة قيود كورونا. بعدها نقلنا إلى سجن صافي. كان سجنا بكل معنى الكلمة. هناك تقدمت بطلب لجوء ومازلت مؤمنا بأنني بدأت خطواتي نحو تحقيق ما هاجرت من أجله”.
“ثلاثة أشهر مضت، نقلونا بعدها إلى مخيم “هال فار” (ثكنة عسكرية سابقة جنوب العاصمة فاليتا) حيث مازلت حتى الآن. ما من شيء يحدث هنا، ما من خدمات حتى كغسيل الثياب مثلا. كل ما يوفره هذا المخيم هو مكان للمبيت، علما أنه لا يصلح حتى لذلك، إضافة إلى إلزامية التوقيع على ورقة حضور إلزامية ثلاث مرات أسبوعيا. وهذا ضروري للحصول على المساعدة الشهرية البالغة 130 يورو”.
إدانة دولية لظروف الاحتجاز للمهاجرين في مالطا
وفقًا لتقرير “المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين”، فإن سياسات مالطا تجاه المهاجرين الوافدين حديثا أو المتواجدين سابقا في الجزيرة باتت تميل إلى الأسوأ. ففي مراكز الاستقبال المفتوحة مثل هال فار، يظهر أن هناك “تحسناً طفيفاً في الظروف المعيشية” مقارنة مع سنوات ماضية، لكن تبقى حياة المهاجرين المتواجدين هناك مليئة بالتحديات، على الرغم من الإدانات الدولية للظروف داخل تلك المراكز.
ومن تلك الظروف، احتجاز جميع طالبي اللجوء بما في ذلك القاصرين، بشكل منهجي عند وصولهم، دون تخصيص أماكن خاصة للقاصرين. هذا ما أكدته منظمة “أوديتوس” في بيانها المنشور في 10 نيسان/أبريل 2022، وأعربت فيه عن قلقها من استمرار هذه الممارسة.
عدم يقين وتهديد بالتشرد
يتابع حسان لمهاجر نيوز: “الحياة هنا غالية، والمبلغ الذي أحصل عليه شهريا بالكاد يكفي للمواصلات. اضطررت للبحث عن عمل. توجهت في أحد الأيام مع العشرات من المهاجرين إلى ساحة العمل، إحدى الساحات القريبة من المخيم حيث يتجمع طالبو العمل يوميا ليلاقوا أرباب عملهم ‘اليوميين’. معظمهم يعمل في قطاعات البناء”.
“في أحد الأيام جاء أشخاص يبحثون عن عمال مياومين، لحسن حظي كانوا سوريين جاؤوا إلى مالطا قبل 20 عاما حيث أسسوا شركتهم وحياتهم. من حينها وأنا أعمل معهم حصرا، بشكل يومي، مقابل أجر يبلغ 50 يورو يوميا”.
“بعيدا عن تلك الفسحة ‘المفاجئة’، أعود لهمّ تحمل الحياة اليومية على هذه الجزيرة”.
“أصعب ما أواجهه وغيري من طالبي اللجوء هو الإهمال المتعمد من السلطات. منذ تاريخ تقدمي بطلب اللجوء وحتى اللحظة لم أحظ بأي معلومة عن ملفي. لست وحدي في هذا، فهناك العشرات غير من طالبي اللجوء السوريين ممن يعانون من نفس الموضوع، بعضهم موجود هنا منذ ثلاث سنوات”.
“ما يضاف إلى حالة اللايقين التي تسيطر على حياتنا، التهديد بضرورة الخروج من المخيم بعد ستة أشهر من دخولنا إليه. هم يعتبرون أننا خلال الأشهر الستة تلك تمكنا من تحقيق استقلاليتنا ووجدنا عملا وبتنا قادرين على الانطلاق. كل هذا غير صحيح، كل من يخرج من المخيم ينام في الشارع. وضع هؤلاء مأساوي للغاية، وأنا تصيبني الرعشة كلما فكرت بهذا الموضوع وأنا على مشارف إنهاء أشهري الستة في المخيم. إيجارات المنازل غالية جدا، وما أجنيه من عملي لن يكفيني أبدا، خاصة وأنني مضطر لأن أرسل الأموال لعائلتي في سوريا”.
طرد غير مبرر لطالبي اللجوء من مراكز الاستقبال
تقرير لـ”المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين” جاء على ذكر ذلك التفصيل، حيث أعرب عن استغرابه من الاستمرار بطرد المهاجرين من المراكز المفتوحة على الرغم من توافر الأماكن الشاغرة.
ووفقا لنظام الاستقبال في ماطا، يمكن لطالبي اللجوء الإقامة في مراكز الاستقبال المفتوحة، مثل هال فار، لمدة ستة أشهر كحد أقصى، أو عام واحد للعائلات. تقرير الهيئة الأوروبية جاء على ذكر أن تلك المدة ليست كافية لتخولهم اكتساب المهارات اللغوية والحصول على عمل ثابت، ما يؤدي بالكثير منهم “لقبول وظائف غير مستقرة”.
يضاف إلى ذلك، البند الجديد المتعلق بمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى سوق العمل خلال الأشهر التسعة الأولى بعد تقديم طلباتهم، “وبالتالي، يتم طرد هؤلاء الأفراد من المراكز المفتوحة قبل أن يكونوا قادرين على العمل بشكل قانوني وإعالة أنفسهم”.
يذكر أن معدل الأشخاص الذين حصلوا على الحماية في مالطا في انخفاض مستمر. ففي العام الماضي، أصدرت السلطات 691 قرارا أوليا، تم رفض الغالبية العظمى منها، بحجة أن أصحابها جاؤوا من دول تعتبرها مالطا آمنة، مثل بنغلاديش ومصر والمغرب.
وحتى قبل ترحيلهم، ظل هؤلاء المهاجرون رهن الاحتجاز لأكثر من 16 شهرا، على الرغم من أن القانون في مالطا ينص على حد أقصى للاحتجاز مدته تسعة أشهر لطالبي اللجوء الذين رفضت طلبات لجوئهم.
من حقي أن أعيش كإنسان خاصة في الدول التي تدعي حفاظها على قيم العدالة والإنسانية
وختم حسان قائلا: “كل هذا الضغط ينفجر لدي مساء وأنا على فراش النوم بكاء، بت لا أستطيع النوم قبل أن أنهك عضلات جسدي بشهقات البكاء العميق. لا أعلم ما الذي فعلته لأستحق كل هذا، ليس ذنبي أنني سوري أو أنني هربت من بلادي لاجئا هاربا من الحرب، لكن من حقي أن أعيش كإنسان خاصة في الدول التي تدعي حفاظها على قيم العدالة والإنسانية”.
*الاسم مستعار
تعليق واحد