صارت حياة السوريين في قبرص تتهددها الكثير من العقبات، فبعد رحلات الموت التي يخوضونها أملا في غد أفضل، يجدون أنفسهم أمام معاناة مركبة، زادت حدتها بعض القرارات التي تتخذها السلطات القبرصية في الآونة الأخيرة للحد من توافدهم على البلاد.
أعلنت السلطات القبرصية أنها علّقت معالجة طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، بعد الزيادة الحادة في عدد الوافدين هذا الشهر، إذ وصل أكثر من ألف شخص إلى قبرص على متن قوارب انطلقت من لبنان، وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وأثارت موجة الهجرة هذه، مخاوف الحكومة القبرصية التي صارت تستنجد بشركائها في الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول ووقف الأزمة. في الوقت ذاته كان لهذه الإجراءات المعلن عنها مؤخراً أثر سلبي للغاية على السوريين، خاصة المتواجدين في قبرص منذ فترة قصيرة أو المتوافدين حديثاً.
محمد المحمد، طالب لجوء سوري حاصل على حماية مؤقتة في قبرص منذ سبع سنوات، لكنه عاش فيها سابقاً لما يناهز العامين بين 2007 و2009 كعامل مهاجر. يحكي لمهاجر نيوز قصته قائلاً “عندما تقدمت بطلب لجوء، حصلت على حق الحماية المؤقتة التي تتجدد كل سنة. وما ساعدني أن ملفي كان نظيفًا لدى السلطات، إذ لم أواجه أي مشاكل في فترة إقامتى الأولى في قبرص”.
بعد استقراره في البلد، تمكن محمد سنة 2020 من لم شمل أسرته، يقول “أتت زوجتي وأبنائي إلى قبرص من سوريا، بالنسبة لأطفالي الثلاثة (14 – 13 – 10 أعوام) سهلت السلطات حصولهم على إقامات، وتمكنوا من تعلم اللغة ودخلوا المدارس، لكن جميعنا لا يمكننا السفر خارج قبرص”.
ويضيف قائلا “لكن بالنسبة لزوجتي فلم يتم منحها أي شيء، لا إقامة ولا لجوء ولا حماية، تتوفر فقط على بطاقة تُمنَحُ لطالبي اللجوء تحمل معلوماتهم وبصمتهم”، وهو ما يجعل أسرة محمد تعيش مشاكل ومخاوف متعددة.
يجدد محمد بطاقة الحماية الخاصة به كل سنة، لكن رغم ذلك يعتبر أن ظروفه جيدة، فهو يعمل كحرفي في صباغة البيوت بترخيص من السلطات بشكل قانوني، واستطاع الحصول على شهادة قيادة، لكن الحال يختلف تماما مع زوجته.
يقول “مازالوا يتصلون بي من مكتب الهجرة ويشترطون حصول زوجتي على جواز سفر أو على بطاقة هوية من السفارة السورية، لتسوية وضعها، بعدما فقدت كل شيء في البحر خلال رحلة اللجوء، وهو ما لا تعوضه أي وثيقة أخرى من سوريا”.
مصاعب وهواجس لا تتوقف!
دفع أكثر من 400 يورو لنظام فر منه محمد وأسرته، أمر لا يستصيغه إلى اليوم، لكن لم يعد أمامه مفر منه ليستطيع إتمام إجراءات لجوء زوجته أو حصولها على حق الحماية. خاصة في ظروف تجعل هوسهم وخوفهم من الترحيل اليوم يزداد.
ويقول محمد “إلى اليوم لا يمكنها الحصول على تأمين صحي ولا على رخصة قيادة مثلا، لكن أن يتوقف أمر البث بالطلبات صار الأمر مرعباً بالنسبة لنا”.
وفي اتصال سابق مع مهاجر نيوز، قالت كورينا دروسيوتو، المنسقة في جمعية “المجلس القبرصي للاجئين”، إنه لا يوجد أي أساس قانوني لعدم دراسة طلبات اللجوء للمهاجرين الحاملين لجنسية معينة.
وأضافت المتحدثة “ليس من الواضح بعد كيف سيتم تطبيق هذا القرار، الذي نعتبره خطوة للوراء. لا نرى أن هذا القرار سينجح في تقليل أعداد اللاجئين الوافدين، بل سيساهم في إلحاق ضرر أكبر بتمكينهم من حقوقهم”.
أمر يتفق معه محمد الذي أكد لمهاجر نيوز أنه لا يحصل على أي مساعدات من الدولة، ويعتمد كلياً على نفسه وعمله لإعالة أسرته. لكنه ذكر أن “الكثير من أصدقائي يعيشون على مساعدات بقيمة 165 يورو شهرياً، ممنوعون من العمل إذ لا يتوفرون على تصريحات، ويضطرون للعمل في الأسود”.
ويضيف المتحدث “الحصول على صفة لاجئ أو حماية بالنسبة للسوريين سيصير مستحيلا في قبرص.أغلب السوريين هنا يعملون بمجال البناء، وحياتهم تتوقف إن لم يحصلوا على الوثائق القانونية”.
رغم الإجراءات.. القوارب نحو قبرص لا تتوقف!
القوارب المحملة بسوريين قادمين إلى قبرص لا تتوقف أبدا منذ مطلع العام الحالي، خاصة بعد التحسن الطفيف في الطقس الذي تشهده المنطقة. وقد كشف وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس إيوانو، في منشور على منصة إكس، عن إحصائيات أعدتها الوزارة تُظهر أن قبرص أعادت 3337 مهاجرا إلى بلادهم منذ بداية العام الجاري.
لكن في اتصال مع مهاجر نيوز، أوضحت كورينا دروسيوتو، منسقة مجلس اللاجئين القبرصي، أن “معظم المهاجرين المرحلين هم من دول أفريقية، وفي معظم الحالات، اختاروا العودة طوعا”.
هذه التفاصيل تخفى على طالبي اللجوء السوريين ممن لم يتوصلوا بعد برد على طلباتهم، فيعيشون تحت طائلة الرعب النفسي.ومن بين هؤلاء فريد، الذي وصل إلى قبرص قبل ثلاثة أشهر معه أسرته، ويحصل منذ وصوله على مبلغ مالي شهرياً كمساعدة من الدولة، لكنه لا يعلم ما الذي سيحصل لهم بعد مضي الأشهر الثلاثة التي تدعمه الدولة خلالها.
يقول فريد “إلى الآن لم أجد عملا قاراً، أعمل أحيانا ليومين أو ثلاثة خلال الشهر الواحد في أعمال بسيطة”. وضع طالب اللجوء غير مستقر وهو لم يتوصل بعد بأي رد حول إمكانية حصوله هو وأفراد أسرته على الحماية أو اللجوء، كما أنه صار خائفاً للغاية أن يكون وأفراد عائلته من ضمن من سيتم تعليق البث في طلباتهم”.
ولا يختلف الأمر لدى عائلة أبو أحمد وزوجته فاطمة، الذين وصلوا إلى قبرص منذ ثلاثة أشهر قادمين من سوريا، وهم أيضا لا يعلمون كما الكثير من طالبي اللجوء السوريين الذين تواصل مهاجر نيوز معهم على مدى ثلاثة أيام مضت، إن كانوا سيحصلون على الحماية أو اللجوء، بل أن بعضهم لا يعرفون حتى مسمى وضعهم القانوني في قبرص حالياً، مثل أبو أحمد الذي قال “لم يشرح لنا أحد وضعنا، منحونا وثائق لا نعلم ما محتواها فقط، وها نحن ننتظر”.
ومن الهواجس التي تخيف أبو أحمد وزوجته فاطمة موضوع الترحيل نحو سوريا، تقول الزوجة “نحن نتمنى أن تكون هناك إمكانية لوصولنا نحو بلد آخر مثل ألمانيا، نريد ضمان مستقبل آمن للأطفال، وإلا ما كنا قد هربنا من سوريا في أوضاع صعبة للغاية، لا أتحمل أن يعيش أبنائي هذا الجو المرعب أكثر، لذلك غامرت وقدمت إلى هنا”.
ومن بين السوريين المتواجدين منذ فترة ليست بالقصيرة أيضا في قبرص، جميل مفلح، الذي وصل إليها قبل ما يناهز السنة والذي يتمنى الحصول على الحماية أو قبول طلب لجوئه أو إقامة قانونية طويلة المدى نسبياً، إذ ما زال يعتبر إلى الآن طالب لجوء لم يتم بعد الرد عليه بقرار واضح.
يقول جميل “الحق الوحيد الذي حصلت عليه هو إذن العمل، لكني لم أتلق رداً بخصوص حق الحماية ولم أحصل على إذن لتحصيل رخصة قيادة. كما أني لم أتوصل بأي مساعدات مالية أو عينية أبدا خلال السنة التي أمضيتها هنا”. وأضاف “أكثر ما يثير قلقي اليوم هو عدم البث في طلبي أو ترحيلي، لا نعلم ما الذي يمكن أن يحدث بعد القرارات الجديدة ضد السوريين في قبرص”.
ماجدة بوعزة / مهاجر نيوز
تعليق واحد