قصة نجاح و اصرار .. لاجئ فلسطيني في لبنان أصر على الهجرة.. و “في المرة الرابعة وصل إيطاليا”

ماهر لاجئ فلسطيني من لبنان تواصل مع مهاجر نيوز قبل نحو عامين حين كان عالقا مع ابنه في مركز ترحيل في مطار العاصمة اليونانية أثينا، كونه دخل البلاد بشكل غير قانوني. عاد ماهر إلى لبنان ليخوض سلسلة مغامرات مع الهجرة والمهربين، انتهت بنجاحه بالوصول إلى إيطاليا على متن قارب انطلق من السواحل اللبنانية. ماهر اليوم في ألمانيا مع عائلته حيث يأمل لأولاده مستقبلا آمنا وأفضل.

قبل نحو عامين، وجد ماهر شعبان، اللاجئ الفلسطيني من لبنان
، نفسه عالقا مع ابنه في أحد مراكز الاحتجاز والترحيل في مطار أثينا اليوناني، بتهمة الدخول غير الشرعي. حينها، كان المهاجر اللاجئ يحاول الالتحاق بزوجته التي تمكنت من إكمال طريقها في ذلك الوقت مع ابنهما الآخر، ووصلت ألمانيا.

قال اللاجئ الفلسطيني حينها لمهاجر نيوز إنه بعد معاناة في مركز احتجاز غير مهيأ لاستقبال أطفال، ونقلهما (هو وابنه) لاحقا إلى أحد المخيمات المغلقة شمال العاصمة أثينا، قرر طلب العودة الطوعية إلى لبنان رأفة بحال الولد وإدراكا منه بأنه لن يتمكن من تحقيق شيء بانتظاره هناك.

بعد عامين وعدد من المحاولات الفاشلة، تمكن اللاجئ الشاب مع ابنه أيضا، من الصعود على متن قارب غادر السواحل اللبنانية مطلع تموز/يوليو الماضي، من الوصول إلى إيطاليا ومنها إلى ألمانيا، حيث اجتمع بزوجته وابنه الثاني بعد أعوام من الفراق وبات على عتبة تحقيق “حلمه الأوروبي”.

لبنان – سوريا – لبنان – تركيا – اليونان – لبنان

ماهر، العامل في مجال تصفيف الشعر، وبعد أن انسدت بوجهه كل سبل الحياة الكريمة في لبنان، لم يتخل عن فكرة الهجرة من لبنان. بعد عودته من اليونان بستة أشهر، اتفق مع مهرب على نقله وابنه إلى تركيا عبر سوريا، “الحصول على تأشيرة إلى تركيا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين بات صعبا للغاية”.

بعد عبور الحدود اللبنانية ونقطة جديدة يبوس من الجهة السورية، توقف المهرب وطالب جميع من كانوا معه في السيارة بدفع المزيد من الأموال وإلا سيتركهم هناك، “لحسن حظي أن أحد أصدقائي كان معي حينها. اتصل بأهله فأمنوا المال، كان المبلغ حينها حوالي مليون ونصف ليرة لبنانية (حوالي 65 يورو في حينه). المهرب أوصلنا إلى دمشق حيث تركنا وغادر. تمكنا من تدبر أمر عودتنا إلى بيروت مع كل الخيبة والقهر الذين حصدناهما نتيجة تلك التجربة. لكني لم أيأس”.

مضت ستة أشهر، تعرف ماهر على مهرب آخر وعده بتأمين تأشيرتين له ولابنه إلى تركيا مقابل مبلغ أربعة آلاف دولار. تمكن الشاب من تدبر المبلغ ودفعه للمهرب، الذي التزم بوعده وأمّن التأشيرتين. “ذهبت إلى تركيا، مكثت بإسطنبول حوالي شهرين قبل أن أتوجه إلى أدرنة لأحاول عبور نهر إيفروس إلى مدينة سالونيك. نجحت بعبور النهر، لكن بعد وصولي البر تفاجأت والآخرين بدورية للأمن اليوناني، أجبرونا على العودة إلى تركيا”.

أقرأ أيضاً  وفاة اللاجئ الســـوري شيروان حميد نتيجة نوبة قلبية وقد فارق الحياة في ألمانيا

إلى إيطاليا

عاد ماهر وابنه إلى بيروت. مضت أشهر قليلة قبل أن يتعرف على سيدة تعمل في مجال تهريب المهاجرين. السيدة وعدته بإيصاله إلى أوروبا مقابل مبلغ ستة آلاف دولار أمريكي، “لم تتقاض شيئا عن ابني كونه صغيرا (5 سنوات)”.

الرحلة كانت محددة بتاريخ 27 حزيران/يونيو الماضي انطلاقا من شاطئ مدينة ضبية (شمال بيروت). “هذه المرة لم أكن وحدي، فإضافة لابني خرج معي أبي وابن أختي وثلاثة من أبناء عمي. جميعنا اتفقنا مع تلك السيدة وجميعنا وضعنا آمالنا كلها لديها”.

انطلق القارب صوب الساعة 11 ونصف ليلا، “كنا حوالي 135 شخصا على متنه، معظمنا من اللاجئين الفلسطينيين وحوالي 20 فقط كانوا لبنانيين. التعليمات التي كانت لدينا من المهربين كانت أن لا نستجيب لنداءات دوريات الجيش اللبناني إذا تم رصدنا ولحقونا. بعد دقائق من انطلاقنا، سمعنا نداءات من دورية للجيش كانت تلاحقنا، يأمرونا أن نتوقف، لم نستجب حتى قائد الزورق لم يلتفت للوراء. دقائق أخرى كنا قد خرجنا إلى المياه الدولية، حينها لم نعد نسمع نداءات الجيش”.

خفر السواحل القبرصي واليوناني “سمحوا لنا باستكمال الطريق بعد أن أعطونا الوقود والطعام”

“صباح اليوم التالي، قبالة السواحل القبرصية، بدأت المياه بالتسرب إلى القارب. إحدى النساء معنا كانت حامل، ونتيجة التوتر الدائم باتت بحاجة لعناية طبية عاجلة. تواصلنا مع خفر السواحل القبرصي. جاؤوا وأخلوا المرأة وزوجها، نقلوها إلى المستشفى، وأعطونا الوقود والطعام قبل أن نكمل طريقنا”.

لم يعتقد ماهر أن خفر السواحل القبرصي كان سيسمح لهم بإكمال طريقهم، كان الموقف مفاجأ بعض الشيء للجميع على القارب، لكنهم أكملوا طريقهم. بعد ثلاثة أيام من الإبحار، واجه القارب عاصفة بحرية، وكان خطر انقلابه وشيكا. “وجهنا نداءات استغاثة لخفر السواحل اليوناني عبر الأجهزة اللاسلكية لمساعدتنا، لم نتلق جوابا. فقرر القبطان أن يقترب من اليابسة قدر المستطاع ريثما تمر العاصفة. كنا حينها قبالة جزيرة كريت. مع اقترابنا من اليابسة ظهر فجأة زورق عليه عناصر أمنية يونانية. عبرنا عن رغبتنا بإكمال طريقنا إلى إيطاليا وأننا غير مهتمين بالنزول إلى اليونان. سمحوا لنا بالبقاء ضمن مياههم الضحلة ريثما تمر العاصفة. في السادسة من صباح اليوم التالي، أعتقد أنه كان 31 حزيران/يونيو، أمرونا بالمغادرة”.

مفاجأة خفر السواحل اليوناني لم تقل أثرا عن سابقتها في قبرص، لكن المهاجرين على متن القارب شعروا ببعض الحظ وأنهم في النهاية قد يتمكنون من الوصول إلى إيطاليا.

ألمانيا باتت أقرب

أكمل القارب طريقه ثلاثة أيام أخرى. في الثالث من تموز/يوليو بات يبحر بصعوبة إلى أن توقف قبل حوالي 70 ميلا بحريا عن أقرب شاطئ إيطالي، “اتصلنا بخفر السواحل الإيطالي عبر هاتف ثريا كان المهربون قد زودونا به. مرت ساعات طويلة قبل أن يصلوا إلى موقعنا، كانت المياه قد بدأت بالتسرب بكميات كبيرة إلى القارب واعتقدنا أننا سنغرق. أخذونا حينها إلى ميناء كالابريا”.

أقرأ أيضاً  تركيا.. توقيف 35 لاجئاً سوريّاً في قونية و خطة لترحيل 200 ألف سوري العام المقبل

بعد إنزالهم، خضع جميع ركاب القارب للحجر الصحي الإلزامي لمدة 10 أيام، “خلالها أجبرونا على البصم لديهم، لاحقا سلمونا أوراق أوامر طردنا من الأراضي الإيطالية”.

“بعد خروجنا من الحجز، توجهت مع ابني ووالدي وابن أختي وأبناء عمتي إلى ميلانو. مكثنا هناك أسبوع تقريبا قبل أن نتعرف على مهرب وعدنا بإيصالنا إلى ألمانيا. لم أكن حتى تلك اللحظة لأتخيل أنني سأتمكن من الوصول إلى أوروبا بذلك الشكل، كنت أنظر لابني طوال الوقت والأمل يكبر لدي بأنني سأتمكن في النهاية من الاطمئنان لمستقبله”.

المهرب وعد اللاجئين بإيصالهم إلى ميونيخ، ومنها سيكون عليهم تدبر أمرهم، مقابل 700 يورو عن كل شخص. “لم أكترث للمبلغ، كان الشوق لدي يكاد يقطع أنفاسي وأنا أفكر بقرب اللحظة التي سألقى بها زوجتي وابني الآخر بعد كل تلك المدة”.

في اليوم التالي، “ركبنا قطارا متوجها إلى سويسرا حسب تعليمات المهرب. أمرنا بالنزول في محطة لم أعد أذكر اسمها، وأن ننتظر هناك وصول سيارات ستنقلنا إلى ميونيخ. وصلنا المحطة ونزلنا من القطار وانتظرنا، لم يأت أحد. نمنا في المحطة يومين متتاليين، ثم قبل أن نفقد الأمل اتصل بنا المهرب وقال إن هناك سيارتين بانتظارنا في الخارج”.

“صعدنا في السيارتين وانطلقنا. الصمت كان سيد الطريق إلى أن وصلنا ميونيخ حيث جاء أقارب لنا لأخذنا وإيصالنا إلى دورتموند حيث أنا الآن”.

في لبنان، “نحن كلاجئين هناك ندفع أثمانا مضاعفة”

يتنفس اللاجئ الفلسطيني الصعداء على الهاتف وكأن هما أزيح عن كتفيه حين يقول، “أنا الآن مع عائلتي وهذا يكفيني”. ويضيف “لم أتخيل بحياتي أن أتمكن من تحقيق هذه الخطوة وأن يكون لدي كل هذا التصميم، لكن عندما بات الموضوع متعلقا بمستقبل أطفالي، بات لزاما علي أن أكمل الطريق للنهاية”.

لا يبدي ماهر أي ندم على خروجه من بيروت وتركه لمخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، فالأوضاع هناك في تدهور مستمر. “الأزمة السياسية والاقتصادية خنقت البلد، ونحن كلاجئين هناك ندفع أثمانا مضاعفة، فأساسا نحن لا حق لنا بالعمل والتملك والحقوق المدنية، وهذه أسباب كافية تدفعك للتفكير بالرحيل”.

وأكد ماهر أنه بعد ورود أنباء تلك الرحلة التي خاضها لأصدقائه في لبنان، تهافت شبان آخرون، خاصة من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، على المهربين طمعا وأملا بالحصول على فرصة للنجاة من الجحيم الذي يعيشون به هناك، “بالنسبة للفلسطينيين في لبنان لا أمل ولا مستقبل، حتى هيئة الأنروا التابعة للأمم المتحدة
باتت مساعداتها شحيحة. ما من طريق للأسف حاليا سوى الهجرة”.

المصدر : مهاجر نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *