هل يهون “مطار رامون” الإسرائيلي عناء سفر الفلسطينيين وعرب الداخل؟

وسط ازدحام كبير وغير مسبوق تشهده حركة المسافرين الفلسطينيين صيف هذا العام والمتزامنة مع ارتفاع ملموس في درجات الحرارة، ينتظر حمزة الأدهم (50 سنة) منذ ساعات الفجر الأولى مروره عبر جسر الملك حسين (بالعبرية اللنبي، وفلسطينياً معروف بجسر الكرامة)، شرق الضفة الغربية، للوصول إلى المملكة الأردنية، ومع تكدس آلاف المواطنين في طابور فوضوي عشوائي بطيء عند شباك التذاكر، اضطر الأدهم بعد 10 ساعات وأكثر من انتظار المرور إلى أن يقضي ليلته نائماً على كرسي في خيمة للمسافرين، كانت قد وضعتها الجهات المسؤولة عن الجسر عند البوابات بسبب الاكتظاظ الشديد بين المسافرين.

وفقاً للتقديرات، فإنه ما بين 2.5 إلى 3 ملايين مسافر فلسطيني يعبرون جسر الملك حسين سنوياً، منهم مقدسيون ومواطنون من الضفة الغربية ذاهبون إلى الأردن، أو المسافرون إلى الخارج عبر مطار الملكة علياء الدولي، الأمر الذي حوّل الجسر إلى واحد من أكثر المعابر إرهاقاً بالنسبة للفلسطينيين بسبب الازدحام، خصوصاً خلال أوقات الأعياد أو مواسم الحج والعطل الصيفية.

معقدة ومهينة

الصور ومقاطع الفيديو التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي طوال الأيام القليلة الماضية، وثقت الأزمة الخانقة التي يعانيها القادمون إلى الأراضي الفلسطينية عند جسر الملك الحسين، الذي يعتبر بوابة العبور البرية الوحيدة من الضفة الغربية وإليها، وهو ما عكس حالة من الغضب والاستياء الشديدين، إذ أجمع المسافرون على وصفها “بالمزرية والمذلة”.

استياء المواطنين الفلسطينيين الشديد من “الإجراءات المعقدة والمهينة” بحسب وصفهم، عند جسر الملك حسين (اللنبي) دفع مؤسسات حقوقية وحملات أهلية وشعبية فلسطينية إلى المناداة بضرورة فتح معبر الكرامة أمام الفلسطينيين على مدار 24 ساعة متواصلة، وإلغاء ضريبة المغادرة، والمطالبة بتخصيص خط مواصلات من الاستراحة الأردنية إلى مطار الملكة علياء الدولي، مع توفير حافلات مسافرين صغيرة للعمل في أوقات الليل، وفق جدول زمني لحركة الحافلات العاملة في فلسطين والأردن لإعادة النظر بتسعيرة المواصلات.

 وناشدت حملة “بكرامة” ومؤسستا “شمس” و”حريات” الحقوقيتان في بيان رسمي، أهمية تشكيل فريق وطني خاص بمعبر الكرامة يضم جهات الاختصاص ومؤسسات المجتمع المدني لمتابعة جميع الإجراءات على الصعيدين المالي واللوجيستي على المعبر.

مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” عمر رحال يقول، “إن سبب إطلاق هذه الحملة والرجوع إلى المطالبة بما طالبنا به منذ سنوات، هو ما شاهدناه في الآونة الأخيرة من إذلال للمواطنين وتكدسهم على المعابر خصوصاً في مواسم الأعياد والحج، وهذا السلوك استخفاف بمعاناة المواطنين وتأكيد فشل السياسيات المالية للحكومة في التخفيف عن المواطنين في ظل ارتفاع تكاليف السفر. من حق الفلسطيني السفر مثل أي مواطن في العالم، متى يشاء وبالساعة واليوم والتاريخ الذي يريد، دون أن يكون هناك عوائق وصعوبات”.

وكان الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” طالب في وقت سابق هيئة المعابر والحدود ووزارة الخارجية والمغتربين ببذل جهود حثيثة لتسهيل إجراءات وتكاليف السفر على المواطنين المسافرين إلى الأردن، في ظل التكاليف الباهظة التي يتكبدها المواطن، إضافة إلى صعوبة الحجز، ما أثار ردود فعل سلبية على صعيد الرأي العام.

أقرأ أيضاً  وفاه الشاب السوري عمر الحموي في تركيا أثر حادث أليم

تحسينات مرتقبة

بدورها، أصدرت وزارة المواصلات الإسرائيلية تصريحات صحافية مكتوبة قالت فيها، “منذ عدة أشهر، كانت وزيرة النقل والأمان على الطرق ميراف ميخائيلي وفريقها على اتصال مع ممثلين أميركيين وفلسطينيين ومغاربة لفتح معبر اللنبي بين إسرائيل والمملكة الأردنية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع”، وأضافت “تم إحراز تقدم إضافي في هذه المبادرة مع زيارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى إسرائيل، ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ بمجرد اتخاذ الإجراءات اللازمة بما في ذلك تجنيد الأفراد لتمديد ساعات العمل”.

وتزامناً مع طرح ترتيبات لوجيستية مرتقبة عند جسر الملك حسين، قد تخفف على الفلسطينيين عناء السفر، يخوض الشارع الفلسطيني والإسرائيلي نقاشات كثيرة وحادة حول جدية استخدام الفلسطينيين من أهالي الضفة الغربية لمطار “رامون” الإسرائيلي في جنوب صحراء النقب، وهي الفكرة التي كان قد طرحها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 7 يوليو (تموز)، بمدينة رام الله، كجزء من سلسلة خطوات تندرج تحت ما يسمى “النوايا الحسنة وإعادة بناء الثقة مع الفلسطينيين”، فيما أشارت القناة السابعة الإسرائيلية، إلى أن استخدام المطار من قبل الفلسطينيين ليس إلا جزءاً من اتفاق شبه سياسي، سيتنازل بموجبه الفلسطينيون عن ملاحقة إسرائيل بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

محاولة إنقاذ

وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تحسم أمرها بعد في إمكانية فتح مطار “رامون” جدياً أمام الفلسطينيين، بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية “كان”، فإن الخبر منذ الدقائق الأولى لنشره، مس الحياة اليومية لمعظم سكان الضفة الغربية، بخاصة أن مطار الملكة علياء الدولي في عمان يعتبر المتنفس شبه الوحيد الذي يربطهم مع العالم الخارجي، فيما الوصول إليه يستوجب المرور إجبارياً بجسر الملك حسين.

بالمقابل، شككت جهات رقابية عدة في نوايا إسرائيل الحقيقية بإتاحة مطار “رامون” للفلسطينيين، فوفقاً لصحيفة “ذي ماركر” الإسرائيلية، سافر عبر مطار رامون الذي كلف نحو 500 مليون دولار، ومقام على مساحة تصل إلى نحو 14 مليون متر مربع، 348 ألف مسافر في عام 2019، فيما هبط العدد إلى 126 ألفاً عام 2020، ليصل خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 20 مسافراً فقط على متن 9 طائرات مختلفة. وأشارت الصحيفة إلى أن “انتشار وباء كورونا وإغلاق المطارات وارتفاع الأسعار وبعد المسافة بينه وبين المطارات الإسرائيلية الأخرى، كان سبباً لعزوف الإسرائيليين عن مطار رامون البعيد جداً”.

ويقول الكاتب والباحث في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية وليد حباس، “إسرائيل تدرك أن ثمة حاجة ملحة لإنقاذ المطار من خلال تحويله إلى مطار فعال تستخدمه شهرياً آلاف الطائرات الدولية، وهذا ما يرجح الاعتقاد أن السماح للفلسطينيين بالسفر من هذا المطار قد يوفر عامل إنقاذ فوري، فاستخدام مئات آلاف الفلسطينيين لهذا المطار سيسهم بشكل ملموس في إعادة تنشيطه، وتوظيف مئات الإسرائيليين من موظفي الجمارك وسلطات المعابر والأجهزة الأمنية وعمال النظافة، وإحياء السوق الحرة، بل إنه قد يسهم بشكل حقيقي في توفير الظروف الموضوعية لتوسيع المطار وتطوير بنيته التحتية تحقيقاً للحلم الإسرائيلي بتفعيل مطار دولي ضخم ثان إلى جانب مطار اللد الدولي، في الوقت الذي لا يفضل الإسرائيليون استخدامه”.

أقرأ أيضاً  شاب يعتدي جنسيًا على فتاة في مصعد في اسطنبول بتركيا

بعد جغرافي

ويقع مطار “رامون” الدولي، على بعد نحو 18 كيلو متراً شمال مدينة إيلات الإسرائيلية، ونحو 340 كيلو متراً عن مدينة القدس، ومن الناحية الإجرائية تخضع الإجراءات المتعلقة بالمغادرين عن طريق معبر “اللنبي” ومطار “رامون” لسلطة الموانئ الإسرائيلية نفسها، ما يعني بحسب مراقبين ومتخصصين، أن “التعب المرافق للمرور عبر جسر الملك حسين سيستبدل بالمرور عبر حاجز إسرائيلي يتم تخصيصه لهذه الغاية، وسيقع بمحاذاة الحدود الإسرائيلية جنوب الضفة الغربية، كما أن البعد الجغرافي الكبير بين المطار والضفة الغربية، يشكل عائقاً في تفضيل السفر عبر الأردن، فالمسافة بين مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ومطار رامون حسب التقديرات تزيد على 400 كيلو متر، وقد يستغرق وصول المسافرين الفلسطينيين إلى المطار ما يزيد على 5 ساعات”.

يقول الأدهم ” 5 أو 10 ساعات من القيادة وصولاً لمطار رامون، ربما ستكون أفضل بكثير من الانتظار 5 ساعات داخل معبر الكرامة، فمن يريد السفر إلى أي دولة في العالم سواء للتعليم أو الترفيه أو العمل ليس مضطراً للانتظار ساعات وساعات في طوابير”، في حين يرى الشاب يسار المصري (30 سنة)، الذي يتنقل باستمرار عبر الخطوط الجوية الأردنية، أن فكرة مطار “رامون” غير مجدية، ويضيف “من المعروف أن أسعار تذاكر الطيران الإسرائيلية مرتفعة وتزيد 3 أو 4 أضعاف عن نظيرتها الأردنية، بالتالي سيفضل الفلسطينيون توفير المواصلات الباهظة التي قد يحتاجون إليها للوصول إلى مطار رامون البعيد جداً، باستخدامهم الخطوط الجوية الأردنية”.

تسهيلات شاملة

بحسب القناة الرسمية الإسرائيلية (كان)، يؤيد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس “مبادرة مطار رامون”، ويطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ”مواصلة الكفاح ضد الإرهاب الفلسطيني”، على حد وصف القناة، التي أكدت أيضاً أن تبلور الخطة جاء في إطار بادرة تجاه الفلسطينيين كجزء من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الرامية إلى تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، على الرغم من عدم وجود أفق دبلوماسي.

وأوضح البيت الأبيض أخيراً، أن “التسهيلات والإجراءات المقدمة للفلسطينيين تشمل تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والتكنولوجيا، وإطلاق الاتصال الرقمي 4G، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين، والحد من انعدام الأمن الغذائي، وتعزيز الحوار بين الطرفين لدعم السلام”.

يذكر أن وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية عيساوي فريج طرح في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، منح الفلسطينيين جزءاً من مطار “قلنديا” الواقع بين مدينتي رام الله والقدس كجزء من مشروع الحفاظ على حل الدولتين لتسهيل سفر الفلسطينيين عبر الخطوط الجوية الإسرائيلية، ولكن لأسباب سياسية وأمنية أوقفت الحكومة هذا المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *